السبت، يونيو 18، 2016

مخاطر صغيرة للنجاج


مخاطر صغيرة للنجاح



كي تنجح، عليك أن تجرب. أول محاولة، لعمل أي مشروع جديد عليك من ناحية المعرفة او المهارة، ستكون محاولة معرضة للنجاح أو للفشل. في حال الفشل، ستكون قد تعلمت أحد الطرق التي يجب تفاديها في المحاولة القادمة. في هذا المقال سيتم استعراض بعض التجارب العلمية التي توضح المؤثرات في صنع قرارك لمحاولة النجاح في الأمور الجدية والتي قد تكون الغامضة وتواجهها لأول مرة.  ستتعرف على الدوافع الشخصية لتفادي المخاطر، فإن تغلبت عليها ستتمكن من التجربة، والتعلم الذي يكسبك الخبرة والمهارة، التي ستنمو مع الوقت لتجعلك خبير، يستطيع صناعة الحظ واقتناص الفرص، وأن يفكر خارج الصندوق.

 
تفادي المخاطر

اغلبية البشر يغلب عليهم طابع الخوف من الخسارة. يقول عالم النفس والبروفِسور دانيال كانيامان في كتابه (التفكير السريع والتفكير البطيء) ان من بين المؤثرات في صنع القرارات لدى الشخص هو مستوى المخاطرة لديه، وأن الأغلب من الناس لديه طبع تفادي الخسائر (Loss Aversion) بدلا من السعي لنيل المكتسبات المحتملة.  مثال للتوضيح، تخيل أن يتم عرض عليك خصم 5% أو تفادي دفع 5% رسوم إضافية، أيهما تختار؟ هذه الطبيعة البشرية تؤثر في قرارات البشر وتهم الاقتصاديين والمسوقين بشكل خاص.
ثم يذكر "كانيمان" أن رواد الأعمال (Entrepreneurs   )  يختلفون عن بقية البشر، حيث تزداد عندهم نسبة المخاطرة، ولديهم نظرة إيجابية تدفعهم لبدء مشاريع قد فشل فيها من سبقهم. مثال ذلك، زوجين قد صادفهما في أحد رحلاته الاستكشافية، عبرا عن سعادتهما بشراء فندق يتميز بموقعه الاستراتيجي، كونه الفندق الوحيد القريب من غابة يقصدها الناس للتخييم في رحلاتهم، وأعربا عن نيتهما ببناء مطعم جانب هذا الفندق. من الواضح ان النظرة الإيجابية لهذين الزوجين جعلتهما يغفلان عن دراسة أسباب فشل الفندق وبيعه بنصف ثمنه! ناهيك عن فكرة صرف بقية اموالهما في بناء مطعم بجانب الفندق.


اكتساب الخبرة
 يذكر "سيث غودن" في كتابه الركيزة الأساسية "Linchpin" عن الأشخاص الذين يؤثرون على عمل وانتاجية الشركة التي يعملون بها من خلال حاجة الشركة لخبراتهم، انهم بدأوا من الصفر وكسبوا المهارة والمعرفة من خلال التجارب المتعددة والتعلم من الأخطاء. لديهم روح رياضية تتقبل الفشل وينظرون للجانب الإيجابي من كل تجربة مهما صغر حجمها.  يتميز هؤلاء بقدرتهم على الارتجال في المواقف التي يسود فيها العشوائية ويغيب منها النظام، وأيضا وجود حافز يدفعهم لعدم الخوف من تجاهل خطوات العمل إن وجدوا إمكانية تحسينها.  إن حاولنا تفسير طريقة عمل هؤلاء، فهي بكل تأكيد حب التجربة وتفضيل إيجاد النتائج من خلال العمل بدلا من النظريات، وحساب المخاطر يتم بشكل بسيط لدى هؤلاء. إذن، الخبرات هي تراكم تجارب كثيرة وليس تجربة واحدة. مع صغر حجم الاحداث تزداد نسبة حدوثها.


كرة الثلج
  
يقول "مالكوم غلادويل" في كتابه نقطة التحول "Tipping Point" ان التغييرات الجذرية  (أو الأحداث الكبيرة) تكون نتيجة تراكم احداث صغيرة. ويوضح ذلك بما حدث في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الامريكية، حيث كانت نسبة الجرائم عالية جداً، ولم تثمر الحلول الأمنية في تقليل هذه النسبة. تمت الاستعانة بعلماء النفس، وقد اقترح أحدهم الاهتمام بـ "نظرية النافذة المكسورة". كانت تكثر في نيويورك الشوارع المظلمة والنوافذ المكسورة للبيوت التي تقع على تلك الشوارع.  يقول العالم ان هذه البيئة تشجع على السرقة، ولتقليل هذا التشجيع يجب اصلاح إنارة الشوارع والنوافذ المكسورة. رغم وجود تشكيك من فعالية هذه الطريقة، إلا ان التكلفة كانت اقل من الميزانية المرصودة لشرطة المدينة، بالتالي لم يكن لديهم مانع من تجربة هذا الحل. أظهرت الطريقة فعاليتها بتقليل نسبة الجرائم ما يقارب 30%.


مخاطر صغيرة

اغلب ما سبق، بالإضافة لكونها قصص ممتعة، يظهر زاوية من سيكولوجية صنع القرار لدى البشر، ويساعدنا على إيجاد مخرج يناسب هذه الطباع. أي تجربة نهايتها النجاح او الفشل، فماذا يمكننا ان نفعل لزيادة نسبة النجاح؟ يستعرض بيتر سيمز "Peter Sims" في كتابه مخاطر صغيرة "Little Bets" أهمية المخاطرات الصغيرة، وكيف تقود إلى ابتكارات ونجاحات كبيرة. يقترح قبل اتخاذ قرار ان نحسب "قوة التحمل" لحجم الخسارة التي يمكن أن تحدث، والمكسب الذي يمكن أن نحققه، وليس من باب كم سنخسر، لان التفكير في الخسارة يغلق أبواب كثيرة ويجعل الشخص منغلق في دائرة تمنعه من التقدم والتطور.  تجدر الإشارة ان "ريتشارد وايزمان" يصف هؤلاء المنغلقين بـ "غير المحظوظين"، والذين لا يمكنهم رؤية الفرص الثمينة.


صناعة الحظ

الفرص تمر امامنا باستمرار، لكن المحظوظين فقط ينتهزونها. أجرى "ريشتارد وايزمان" تجربة تحضيرا لكتابه (عامل الحظ "The Luck Factor")، شارك فيها 400 شخص ما بين رؤساء شركات ومهندسين وباحثين وعمال نظافة. التجربة تمر بعدة مراحل، بدأت بتعبئة استمارة فيها سؤال: هل تعتبر نفسك محظوظ او غير محظوظ؟
كانت نسبة الإجابات مختلفة، 30% محظوظين، 25% غير محظوظين، 45% بين هذا وذاك. بعدها طلب منهم إحصاء عدد الصور في جريدة معينة، انهى المحظوظين المهمة خلال 0.2 ثانية، بينما استغرقت المهمة بين 2.8  - 3.5 دقيقة مع غير المحظوظين. فما السبب في هذا الفارق الكبير؟ غير المحظوظين يهتمون فقط بإتمام المهمة التي تطلب منهم، ويتجاهلون غير ذلك. وضع في الصفحة الأولى عنوان بخط عريض كتب فيه "توقف عن العد إذا رأيت هذا العنوان". لكنهم لم يتوقفوا. وأيضا في الصفحة الثانية وضع عنوان كبير كتب فيه: "توقف عن العد الآن احصل على 250 دولار". رغم ذلك، لم ينتبه غير المحظوظين لهذا العنوان أيضا.  إذا كنت تعتبر نفسك غير محظوظ، أعد التفكير بعد قراءة هذه التجربة.


بنوك للفقراء

محمد يونس درس الاقتصاد في أمريكا، ثم انتقل إلى مدينة جوبرا في الهند ليدرس سبب الفقر ومحاولة إيجاد حلول بنكية للفقراء. اكتشف محمد يونس ان اغلب السكان بالكاد يحصلون على قوت يومهم، ومستواهم التعليمي بسيط جداً مما يجعلهم يدورون في دائرة مفرغة لا يمكنهم تجاوزها وتجاوز الفقر.  تعمق أكثر في حياة السكان، وتعرف على فتاة تدعى "صوفيا"، تعمل على صنع الكراسي من ساق النباتات، وتحديدا ساق البامبو. سألها عن طريقة عملها حتى يحاول فهم سبب بقائها على نفس الدرجة من الفقر رغم وجود العمل. اكتشف انها تقترض من وسيط مبلغ 5 تاكا (ما يعادل 0.22 دولار) لتشتري ساق البامبو، وتصنع منها الكرسي، ثم تبيع الكرسي بسعر 5.5 تاكا على الوسيط نفسه. أي انها كسبت 0.5 تاكا (ما يعادل 0.02 دولار).
سألها ان كان بالإمكان الاقتراض من وسيط والبيع على شخص آخر، فذكرت له ان نسبة الفوائد تصبح 10% يوميا على القرض. أي ان مكسبها من العمل سيذهب كله للفوائد على القرض. وجد محمد يونس نفسه في مكان لا يوجود به نظام رسمي يحمي هؤلاء الفقراء، فيتم استغلالهم بهذه الصورة البشعة من قبل طمع التجار او الأغنياء.
رصد بعدها عدد عوائل تلك القرية الذي يعتمدون على القروض من الوسطاء، ووجدهم 42 عائلة تحت خط الفقر، وان مبلغ 27 دولار كفيل بسد حاجتهم لبدء عملهم والخروج من تلك الدائرة المفرغة التي تبقيهم أسرى الفقر. كانت الـ 27 دولار هي اول قرض شخصي وباكورة اعمال "بنك جورمين" الذي أسسه محمد يونس معتمدا على القروض الصغيرة جدا (مايكرو فندنغ Micro Funding)، ونجح في هذا المشروع ليتجاوز مجموع القروض 91 مليار، مع نسبة سداد أكثر من 98%.
كسر محمد يونس الصورة النمطية التي كونتها البنوك عن العوائل الفقيرة وعدم قدرتها على تسديد القروض، متبعا أسلوب المخاطر الصغيرة.


التفكير خارج الصندوق

كثيرا ما نسمع عبارة التفكير خارج الصندوق، فما هو الصندوق؟ العقل البشري له القدرة على استذكار ما يتكرر على مرأى العين أسرع من تلك نادرة الحدوث. لذا، يكون الصندوق هو الحيّز المغلق الذي تراه بشكل متكرر. يمكنك زيادة حجم هذا الصندوق بمزيد من التجارب الصغيرة. فقط عليك موازنة المخاطرة لتستطيع ان تخرج بنجاح او تجربة تتعلم منها.  حساب المخاطر ليس حساب الخسارة فقط، انما التركيز على حجم الخسارة الذي يمكن ان نتحمله. وكما يقول تشب هيث "Chip Heath" في كتابه حاسم "Decisive” ان من الخطأ الاعتماد على المعلومات المتاحة فقط عند صنع القرار، ويجب ان يحاول الشخص التفكير بحلول أخرى، وان يخضعها للتحقق، ويفكر بمعزل عن العواطف والمشاعر، ويتقبل احتمالية ان يكون مخطئا بشأن قراره.


خاتمة

النتيجة التي يقودنا لها هذا المقال، ان النجاح لا يأتي وليد الصدفة، ولا حصيلة مجلدات كتب تصف النجاح بحرفية متناهية، وبلاغة أدبية. بل كما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:     وما نيل المطالب بالتمني          ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
عليك ان تبادر بالعمل، وان تتقبل الفشل، وان لا تستسهل الخطوات القصيرة، ولا المشاريع الصغيرة.  احسب قدرتك على تحمل الخسارة قبل ان تقرر القبول او الرفض. تأكد ان كل خطوة تخطوها تضيف لرصيدك معرفة ومهارة.  تفاعلك مع الأشياء المحيطة بك تزيد نسبة الفرص من حولك، مما يجعلك محظوظا، وأكثر قدرة على النجاح.

أكمل القراءة