الأحد، يناير 31، 2016

حالات شاذة - outliers

بسم الله الرحمن الرحيم



يزعم "مالكوم غلادويل" في هذا الكتاب إن تميز مواطني شرق آسيا في الحساب والرياضيات يعود لعملهم في حقول الأرز!
في هذا الكتاب، يبحث مالكوم عن الأسباب التي ساعدت بعض المشاهير على تحقيق النجاح. من ضمن هؤلاء المشاهير بيل غيتس المعروف بتأسيس شركة مايكروسوفت. يحاول تحديد المؤثرات الفعلية في نجاح جميع الشخصيات التي تناولها الكتاب. والهدف من ذلك هو وضع الخطوات التي يمكن لأي شخص اتباعها لتحقيق النجاح.

إذن، ما هي علاقة حقول الأرز بتميز مواطني شرق آسيا في الرياضيات؟

يفسر "مالكوم" ذلك بقوله، إن المزارعين في أوربا وامريكا إذا ما أرادوا زيادة المدخول، فيقومون بعمل ميكانيكي. وذلك من خلال زيادة مساحة الأرض المزروعة، واستخدام الآلات في عملية الزرع وعملية الحصاد. أما في شرق آسيا وبالتحديد في اليابان والصين وماليزيا فإن المساحات صغيرة جداً، والحالة المادية ضعيفة جداً، فلذلك يلجأ المزارعون لزيادة المدخول بطريقة آخرى. 
يمضي المزارعون قرابة الـ 3000 ساعة سنويا في العناية الخاصة بمزارع الأرز بالتأكد من مستوى الماء ومستوى التربة وحساب موعد الحصاد وتحديد موعد الزرع، وذلك حسب الإتفاق بين أصحاب الأراضي والمزارعين على نسبة معينة من المدخول. إيجاد هذه النسبة تتطلب حسابات حتى تكون مناسبة لصاحب الأرض، ومجزية للمزارع. 
ويذكر أيضا حبهم للعمل الدؤوب الذي له أثر كبير في نجاحهم في عملهم. ففي الصين مثلاً يكررون:


“No one who can rise before dawn three hundred and sixty days a year fails to make his family rich.”

الترجمة: "لا يوجد من يصحى قبل الشروق ثلاثمائة وستون يوماً في السنة ويفشل في أن يجعل عائلة غنية"
يذكر أيضا إن اللغة تعتبر من أسباب تفوق شرق آسيا أيضا. 
فالرقم أوَ العدد ينطق بأقل عدد من الأصوات، وكذلك طريقة التعبير عن الرقم تكون طبيعية أكثر من الأرقام في اللغة الإنجليزية على سبيل المقارنة. كمثال: 
ثلاثة وعشرون، أسهل للفهم من "عشرون وثلاثة".

الممتع في الكتاب، لغته السهلة في تقديم نتائج الأبحاث، وتنفيد بعضها والتأكيد على بعضها الآخر ، وذلك لتحديد من هم المميزون الشاذون عن العوام من الناس، وكيف كانت قصص نجاحهم الحقيقة وليست القصص التسويقية الوردية التي تتجاهل التفاصيل الدقيقة والمعاناة التي قد يمر بها أحدهم وتصقل موهبته، كما في قصة المحامين اليهود وكيف كان عملهم محصورا في قضايا المنازعات بين الشركات ولمدة 20 سنة، وكانت شركات المحاماة الكبرى تنظر لمثل هذه القضايا بعين الازدراء. بينما في عصرنا الحالي فإن شراء الشركات الكبيرة للشركات الصغيرة يتطلب حنكة وذكاء في التعامل من المحامين مع أصحاب الشركات، ومن هنا يبرز تميز المحامين اليهود بعد ظروف صعبة لكنها كانت فرصة ذهبية لما حالت إليه الأمور الآن. 
  
مع وصولك لخاتمة الكتاب ، ستجد إن كل الشخصيات الناجحة والتي تم اختيارها كحالة نادرة أو شاذة أو مميزة، ما هي إلا حالة طبيعية مثلك ومثلي، ويمكنك أنت ان تحقق النجاح أيضا إذا ما امضيت 10 آلاف ساعة تدريب، وسنحت لك الفرصة لتبرز نفسك.

أجد أنه من  الذكاء والتلاعب بالألفاظ اختياره لعنوان الكتاب "outliers"  ؛ ففي الإحصاء، ترجمتها تكون حالات شاذة أو حالات نادرة ، أما الترجمة في الأحياء فهي "طفرات جينية" ، وفي قصص النجاح، فترجمتها المميزون. 

وذكر في الكتاب ان العنوان هو أنجليزية تعتبر مصطلح علمي يمكنه شرحه كالتالي:
في أي رسم بياني، عادة ما نجد خط مستقيم أو منحني يصل بين النقاط التي تم وضعها على الرسم البياني. أو عند استخدام نحنى بيل (bell  curve) فأن التوزيع يكون الأغلبية في المنتصف، وأقلية على الطرفين اليمين واليسار.

في الرسم أعلاه، إذا وجدنا نقطة خارج المناطق المحددة، فهي نقطة شاذة، أو متطرفة، أو حالة نادرة. أحيانا، نجد نقاط خارجة عن ذلك الخط ونصفها بـ قيمة شاذة، أو "شواذ". 

أما التناقض الذي أجد أن "ماكسويل" قد وقع فيه، هو ذكره في فصل آخر عن أهمية العمل المتواصل، وإن العمل لمدة 10 الآف ساعة يمكنه أن يجعل الشخص متمكن من عمله، وناجح. فبينما يحاول التأكيد على هذه النظرية بعدة قصص، مثل قصة لاعبي الهوكي، وبيل غيتس، و فرقة البيتلز الموسيقية ، وغيرهم، ويعزو نجاحهم لتدريبهم المستمر حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه، فهو يناقض نفسه بذكره إن الفرص والظروف مهمة أيضا ليستفيد الشخص من تدريبه المتواصل ووصوله لمرحلة الاحترافية. وذكر مثال على ذلك مقارنة بين مستوى ذكاء آينشتاين (160) مع مستوى ذكاء "كريستوفر لانغن" الذي وصل الى 190، مع ذلك لم يحقق "كريستفور لانغن" أي إنجاز يذكر، وذلك لإن الظروف التي مر بها لم تصنع له الفرصة المناسبة.


يختتم "مالكوم" كتابه بقصة عن والدته التي نجحت في الخروج من شقة  صغيرة تعيش فيها مع عائلتها بظروفها السيئة جداً في جاميكا، إلى العيش في طبقة متوسطة في كندا. وهذه الخاتمة مع غيرها من القصص تشير إلى أهمية دور الوالدين في تنشئة ابنائهم ونجاحهم.

أكمل القراءة